الإنسان الإله
الإنسان الإله
المركزية البشرية، وشرارة الإنسان، في هذين الفصلين ينقسم الجزء الأول من الكتاب والذي يسرد فيه بعض المراحل المنعطفات المهمة في حياة الإنسان على الأرض، والثورات المعرفية والزراعية والعلمية، التي نتج عنهما نشوء الأديان والآلهة والأساطير، وحددت شكل العلاقة بين الإنسان والحيوان، واستخدامه لها من أجل مصلحته في الزراعة أو العلوم، هذه العلاقة التي يعدها يوفال مثالا واقعيا عن علاقة إنسان المستقبل الذي سيمتلك قدرات خارقة -إن قُدِّر له هذا- مع الإنسان العادي الذي لا يملك أي قدرات، هذا الأمر الذي يبدو وربما في وقت طويل أمرا خياليا لا يُمكن تصديقه، لكننا بحاجة لفهم العلاقة التي ستنشأ قبل نشوءها، للتعامل على أكثر فعالية مع المُعطيات الجديدة التي ستشكل عالم الغد. البشر ونظرا للغتهم ووعيهم الفعّال أكثر من بقية الكائنات الحية أخذوا بزمام السلطة فوق الأرض، وبدأوا بتشكيل روابط مشتركة تجمعهم، فمتثلت بأساطير وآلهة، كما لدى كثير من المجتمعات السابقة، التي تُضحي وتعطي لآلهة حتى تُبارك في الزرع وتنميه وتأتي بالمطر والخير لها، وهذا ما منح المجاميع البشرية عناصر عملت على توحيدهم وضم مجاميع كبيرة في إطار واحد زودتهم بالقوى لإخضاع بقية الكائنات. إن الإنسان بوعيه هذا لم ينفصل عن الخوارزميات بل إن الكائن الحي هو خوارزميات، إذ ما نقوم به من أعمال مختلفة في حياتنا قائم على معادلات وخطوات تجري في وعينا وأدمغتنا تُمكننا من اتخاذ القرار وكيفية اتخاذه، وهذه المعادلات الرياضية تحصل داخل أدمغتنا وتُترجم إلى أفعال. ينتقل بعدها لتفسير هذا الوعي وكيفية عمل الدماغ في شبكة معقدة من الخلايا العصبية ونظام عصبي متوزع ومتشابك في داخل الجسد، هذا النظام شديد التعقيد ما زال لغزا لم يُفهم كيف يصنع الخبرات الذاتية والمشاعر كالحب والغضب والألم. وبقي الإنسان مدة طويلة يعتقد بأنه من يمتلك هذا الوعي مميز دون سائر المخلوقات لكن البحوث التي قام بها انطلاقا من القرن الماضي، أثبتت بأن المخلوقات الأخرى لديها وعي وإن اختلف عن وعي الإنسان وكان أقل كفاءة منه، إلا أنها بإمكانها الشعور والإحساس. ويتساءل: بما أن للحيوانات وعيا لماذا لا تسيطر على الكوكب وتُخضعنا لها، فالنحل يعمل وفقا نظام متكامل لكن ما ينقص النحل هو عدم قدرته على إقامة نظام آخر في ليلة وضحاها كأن يغير نظام الملكة إلى نظام جمهوري، وكذا الحال مع الشمبانزي فهي لا تتعاون مع أي فرد آخر دون أن تعرفه وهل هو خيّر أو شرير؟ كيف يُمكن التعاون معه؟ ومدى كفاءته؟ إلا بعد أن يقوم بجمع معلومات كثيرة عنه مما يجعل دائرة الأفراد التي يعرفها صغيرة. ومما يتميز الإنسان به عن بقية الكائنات فوق الكوكب هو المرونة الكبيرة والكفاءة العالية في إنشاء شبكة علاقات واسعة جدا مع أعداد كبيرة من البشر. هذا التعاون الكبير الذي لا يشبهه به أي مجموعة كائنات فوق الكوكب تعطيه مزية فريدة من نوعها تمكنه من السيطرة على الكوكب وبقية الكائنات. فما ميز الإنسان عن بقية المخلوقات ومنحه القدرة على السيطرة ينقسم إلى نقطتين مهمتين: الأولى متمثلة بكفاءته العالية على خلق شبكة كبيرة من التعاون مع بقية الأفراد والجماعات، والأخرى قدرته على إعطاء معنى لهذا العالم، عبر مجموعة من الحقائق بين ذاتية التي يتفقون عليها في خيالاتهم كقيمة ورقة النقود. ومما يمكن الخروج به من هذا الجزء الأول من الكتاب، هو أن الوعي لدى الإنسان مكنه من السيطرة على هذا العالم عبر ما منحه من قدرات معرفية فاق قدرات الكائنات الأخرى، وهذه القدرات جعلت أكثر فعالية في علاقته مع بقية البشر، عكس الأجناس الأخرى من الكائنات الحية، ومنحته القدرة على الخيال الجماعي الذي عزز هذا الاتحاد مع البشر بقيم مشتركة ستمثل المرحلة القادمة في تاريخه التطوري على الأرض.